روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | التوحيد في دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام ـ 4

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > التوحيد في دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام ـ 4


  التوحيد في دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام ـ 4
     عدد مرات المشاهدة: 2105        عدد مرات الإرسال: 0

* تبرُّؤ عيسى عليه السلام من النصارى المشركين:

قال سبحانه: {وإذْ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مريمَ أأَنتَ قُلتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَينِ من دونِ الله قال سُبحانكَ ما يكونُ لي أن أقولَ ما ليس لي بِحَقٍّ إن كُنتُ قُلتُهُ فقد عَلِمتَهُ تَعلَمُ ما في نفسي ولا أعلَمُ ما في نَفسِكَ إنَّكَ أنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ*ما قُلتُ لهم إلاَّ ما أمَرتَنِي به أن اعبُدُوا الله ربِّي وربَّكُم وكُنتُ عليهم شهيداً مادُمتُ فيهم فلمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقيبَ عليهم وأنتَ على كُلِّ شَيءٍ شهيدٌ*إن تُعَذِّبهُم فإنَّهُم عبادُكَ وإن تَغفِر لهم فإنَّكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ} [المائدة: 116-118].

هذه الآيات المحكمة العظيمة فيها توبيخ للنصارى المشركين، وتقريع لهم، ودحض لحجتهم، وتكذيب لدعواهم بأن عيسى عليهم السلام أمرهم بعبادته، يقول ابن كثير: هذا أيضا مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلا له يوم القيامة بحضرة من إتخذه وأمه إلهين من دون الله: {يا عِيسى ابنَ مريمَ أأَنتَ قُلتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَينِ من دونِ الله}، وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رءوس الأشهاد، هكذا قاله قتادة وغيره، وإستدل على ذلك بقوله تعالى: {هذا يَوْمُ ينفعُ الصادِقِينَ صِدْقُهُم}... والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر -والله أعلم- أن ذلك كائن يوم القيامة، ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رءوس الأشهاد يوم القيامة، وقد روي بذلك حديث مرفوع رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبدالله مولى عمر بن عبدالعزيز، وكان ثقة، قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبدالعزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا كان يوم القيامة دُعي بالأنبياء وأممهم، ثم يُدعى بعيسى فيذكِّره الله نعمته عليه فيقر بها، فيقول: {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك...} الآية، ثم يقول: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، فينكر أن يكون قال ذلك، فيُؤتى بالنصارى فيُسألون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك، قال فيطول شعر عيسى عليه السلام، فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى تُرفع عليهم الحجة، ويُرفع لهم الصليب، ويُنطلق بهم إلى النار» وهذا حديث غريب عزيز.

وقوله سبحانك ما {يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن أبي هريرة قال: يُلَقَّى عيسى حجته، ولقاه الله تعالى في قوله: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلقاه الله {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق...} إلى آخر الآية، وقد رواه الثوري عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس بنحوه. وقوله {إن كنت قلته فقد علمته} أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب فإنه لا يخفى عليك شيء، فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته. ولهذا قال: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب} تفسير ابن كثير 2/112.

فسؤال الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هو توبيخ وتقريع للنصارى على رؤوس الأشهاد، ويكون هذا السؤال أمام من اتخذ عيسى عليه السلام وأمه إلهين من دون الله سبحانه وتعالى. وإن رب العزة الذي لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، والذي أحاط بكل شيءٍ علما، والذي يعلم ما قال عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله يسأل يوم القيامة عيسى عليه السلام: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، والمقصود: تبكيت الغالين من أتباعه عليه السلام الذين اتخذوه عليه السلام وأمه إلهين من دون الله تعالى.

ولما كان إتخاذ عيسى عليه السلام وأمه مريم البتول إلهين من دون الله تعالى إعتداءً من غلاة أتباع عيسى عليه السلام على الله تعالى الذي من حقه أن يُعبد ويُفرد جل وعلا وحده لا شريك له بالعبادة، فقد كان أول ما جرى على لسان عيسى عليه السلام متعلقاً بالذات العلية {قال سبحانك}، والمعنى تنزيهاً لك عن كل ما ألصقه بك كلٌّ من الغلاة والمشركين، انظر: كتاب تأملات في سورة المائدة، تأليف الدكتور: حسن محمد باجودة، صفحة 476.

وقال البغوي: فإن قيل: فما وجه هذا السؤال مع علم الله عز وجل أن عيسى لم يقله؟ قيل هذا السؤال عنه لتوبيخ قومه وتعظيم أمر هذه المقالة، كما يقول القائل لآخر: أفعلت كذا وكذا؟ فيما يعلم أنه لم يفعله، إعلاما وإستعظاما لا إستخبارا وإستفهاما، وأيضا: أراد الله عز وجل أن يقر عيسى عليه السلام عن نفسه بالعبودية، فيسمع قومه، ويظهر كذبهم عليه أنه أمرهم بذلك، تفسير البغوي 3/122.

الإستفهام هنا للمسيح عليه السلام، والتوبيخ للنصارى. والإستفهام هنا من المسيح أبلغ من الإستفهام من النصارى، لأنه يحتمل أنهم يقولون نعم كذا قال، فيُرجع إلى المسيح صلوات الله وسلامه عليه ويُستفهم منه، فابتدئ بالإستفهام منه أول الأمر، وفي الإستفهام منه فائدة أخرى وهي أنه عليه الصلاة والسلام قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} فكان أبلغ في توبيخهم في الموقف بين العالمين، وفي قوله {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} فائدة، لأنه لو قال: لم أقل لهم ذلك، لاحتيج أن يقال له: فما الذي قلت لهم، فعلم المقصود وأجاب عما يقال له فيما بعد.

المصدر: اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.